هل الطفل الذي يتطور بسرعة، يكون على المدى البعيد الأنجح والأذكى؟ لماذا ابني يكافح حتى يربط حذاءه فيما ابنة الجيران تجيد عزف الموسيقى؟ هل في ابني خطب؟ إليكم أيها الأهل ما الذي يجب أن تعرفوه عن تطور دماغ أولادكم وذكائه من عمر 1 إلى عمر 4
علّق مرة الممثل الكوميدي روبن ويليامز أن إنجاب طفل أشبه بالإدمان على الكوكايين، فأنت لا تستطيع النوم وتتصرف كالمجنون وتفوح منك رائحة كريهة.
إن مهمة الأبوة أو الأمومة هذه طريق شاق صعب.
فمعظم أهالي الأولاد يبدؤون بالتساؤل: «ما هو الطبيعي؟».
من الهام قبل أن تبدأ بمعالجة هذا السؤال أن تتذكر أن الأطفال ينمون بدرجات مختلفة. ولكن ما قد يثير القلق دائماً هو أن ينظر الأب أو الأم إلى ابنهم ويرونه يكافح من أجل أن يعرف أي جهة من المصاصة عليه أن يضعها في فمه، في حين أن ابنة الجيران التي في سنِّه بدأت تعزف الموسيقى. ولكن تذكّر أن الأولاد يختلفون: فالأولاد ينمون ببطء وعلى راحتهم، والولد الذي ينمو أسرع لا يكون دائماً الأذكى والأكثر نجاحاً في الحياة.
إن كيلوغراماً ونصف كيلوغرام من الكتلة الرمادية القابعة في أعلى رقبتك، هي الشيء الأكثر تعقيداً والأكثر تجدُّداً وتكيُّفاً الذي تعرّفنا إليه. كما أنها تكون في ذروة نشاطها أثناء عمر الطفولة.
إن الطريقة التي يتطور بها العقل ليست سلسلة من الأحداث المنظمة. الواقع أن الأبحاث الجديدة
تؤكد أن عقول الأولاد تتطور بشكل متقطع فيتلقى العقل المعلومات بنشاط في فترة ما تليها فترة يقوم فيها بتثبيت وترسيخ المعلومات التي تلقّاها.
يبدو أن هناك على صعيد الدماغ أوقاتاً يكون فيها في حالة من الإفراط في الإنتاج أو الحيوية الطافحة، فنكون منفتحين ذهنياً على تقبُّل معلومات جديدة واكتساب مهارات محددة بسهولة. هذه هي الطريقة التي يتطور بها الدماغ على ما يبدو في عمر الطفولة والمراهقة: أي مبالغة على صعيد الإنتاج يعقبها فترة من تشذيب ما لا نحتاجه لاحقاً. إنه جهاز ذكي، لأن الإفراط في الإنتاج هو بالتحديد ما يسمح لنا بالاختيار حتى نتمكن من شحذ مهاراتنا وتخصيصها.
تكون أدمغة الأولاد أنشط وأذكى من أدمغة الراشدين. أدمغة الأولاد في عمر الحضانة أنشط من أدمغتنا وأكثر تواصلاً ومرونة. الحقيقة العلمية الأكيدة هي أنك لن تكون أبداً أكثر ذكاءً ومرونة وتكيُّفاً مما كنت عليه عندما كنت في الثالثة من العمر.
يكون الأولاد حتى الثالثة من العمر أشبه بالإسفنجة. فإذا أعطيناهم الوقت الكافي وأمَّنَّا لهم الرعاية الحنونة وبيئة مشوِّقة إلى حد معقول، فسيتعلمون بشكل كامل. إنهم يفهمون بيئاتهم ويستوعبونها ويكونون مهتمِّين بالفروقات والاختلافات. الواقع أنهم يتعلمون من خلال تآلفهم مع الفروقات، وهو أمر يرافقنا طوال عمرنا.
هذا يعني أنه منذ ولادتنا نكون مهتمين ببيئتنا الاجتماعية: نلاحظ الاختلاف، نعتمد في ما نتعلمه على عواطفنا ونحاول أن نربط بشكل منطقي بين الأحداث، ونرغب في إيجاد معنى للأشياء، ونجرب ما تعلمناه في مواقف جديدة.
لقد ولدنا لنتكيّف مع أماكن جديدة وأناس جدد، ولنتأقلم مع ما نجده هناك. هذا يعني أن الأولاد يقدرون على التعلُّم أكثر بكثير مما يقدر عليه الراشدون.
الحقيقة أن جزءاً كبيراً من شعورنا بالانتماء والأمان يتكوّن في هذه السنوات الأولى. ففي هذا العمر تترسّخ المواقف الأساسية التي منها الشعور بأن العالم مكان آمن دافىء، أو غابة عدائية.
في العالم مراكز قوة كثيرة (البنتاغون، مكّة، الفاتيكان، الكرملن) ولكن الأقوى هو منزل العائلة. العائلة هي البُنية الأقوى للانتماء الإنساني في العالم. إنها المكان الذي نتلقى فيه هدايا، يستغرق فتحها العمر كله.
إن لم يتنعم طفلك بأهدأ وأسعد وأدفأ طفولة، لا تيأس. فذلك لا يعني أنه سيقضي ما تبقى من عمره ينظر إلى العالم على أنه مكان رهيب. ولكن ذلك يعني أنه أمامك عمل تقوم به لتقدم له طرق حياة إيجابية.
ثم في عمر الثالثة أو الرابعة يحدث شيء ما ويتغير كل شيء. وكأن ابن الرابعة يتوقف فجأة، وكأن هناك ما أرعبه أو فاجأه، فإذا به ينظر حائراً ويعبر عن حيرته عبر السؤال «لماذا؟».
يُقدّر أن ابن الرابعة يقول كلمة لماذا كل دقيقتين ونصف. فجأة تتطلب كل تلك المعرفة التي كانت تحدث بشكل تلقائي تقريباً بذل مجهود.
هذه هي السنوات الرهيبة التي يتعلم فيها الأولاد أن يشاركوا وأن يؤجّلوا المسرّات ويهدِّئوا أنفسهم وينمُّوا القدرة على التحكم باندفاعهم ونزواتهم.. الأولاد الذين لا يتعلّمون هذه المهارات في هذا الوقت من عمرهم قد يتعلمون كيف يتحكمون باندفاعهم ونزواتهم لاحقاً، ولكن الأمر يكون أصعب عليهم.
خلال هذه السنوات يشعر الأطفال بأنهم أسياد العالم. وهذا يعني أنهم يشعرون بالمسؤولية تجاه الأشياء التي لا يكون لهم تأثير فيها (انزعاج الأهل، مرض حيوان أليف، ضائقة مالية). هذا يتطلب من الأهل تخصيص وقت طويل وبذل جهد شديد ليشرحوا لهم أسباب ما يحدث.
إن شعوره بأنه سيد أو سيدة العالم يعني أيضاً أن نوبات غضبه هي التي تتولى الحكم والسيطرة. ولكن ربح كل جدال يحدث وأنت في الثالثة أو الرابعة، ليس شيئاً عظيماً أبداً. فذلك لا يعني فقط أن نوبات غضبك هي أقوى من أهلك، بل يعني أيضاً أنه ليس هناك مَن هو أقوى منك حتى يحميك. أما بالنسبة للأهل، فذلك يعني أنه ليس لصالحهم أن ينهاروا ويتراجعوا كلما رفع ابنهم صوته. لا تستسلموا إلى كل نزوة من نزواته.
"التربية الذكية"