لغني والفقير .. أيهما بحاجة للصدقة ؟
فرض الله -سبحانه- الزكاة وجعلها من أركان الإسلام لمنافعها للجميع، وما تقوم به من دور تكافلي في المجتمع المسلم، وأريد من خلال تلك الكلمات البسيطة عمل مقارنة بين ما يستفيده كل من المتصدق والفقير من أداء الصدقات، لمعرفة من المستفيد الأكبر منهما.
بداية حاجة الفقير للزكاة والصدقات هي حاجة دنيوية لتيسير أمور حياته وتفريج كربته وقضاء حوائجه من مأكل وملبس ومسكن…الخ، وقد تكون لعلاج أو إيجار أو عفاف أو غيرها، ونلاحظ أن جميعها دنيوية إلا إذا طلبها خوفًا من الوقوع في الحرام كالسرقة أو الغش وغيرهما، والعياذ بالله، فتلك دنيوية ويؤجر عليها بإذن الله في الآخرة.
إذا كان هذا هو حال المتصدق عليه أو المتزكي عليه، فما حال المتصدق؟ لنتأمل ما يلي:
الزكاة تزكيهم وتطهرهم من ذنوبهم، فهي النماء والطهارة، تنمي المال وتزيده، قال -تعالى-: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا).
وقال سبحانه: (مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ).
فهذا العطاء كبير، والنسبة التجارية عظيمة.. 700 ضعف، غاية الاستثمار، يعرف ذلك أهل التجارة والأسهم، فمن يعطي مثل الله -سبحانه- الجواد الكريم.
والزكاة استثمار للمال وتجارة رابحة، قال رسولنا -صلى الله عليه وسلم-: ((ما نقص مال من صدقة)).
وفي رواية: ((بل تزده بل تزده)).
والمتصدق يدعو له ملك بشكل يومي بالخلف والعوض من الله -تعالى-، وهو الكريم -سبحانه-، قال حبيبنا -صلى الله عليه وسلم-: ((ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكًا تلفًا)).
والصدقة شفاء للمريض، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: ((داووا مرضاكم بالصدقة)).
والصدقة تدفع البلايا والمحن وسوء الخاتمة، قال -صلى الله عليه وسلم-: ((صنائع المعروف تقي مصارع السوء)).
وبعد موت المتصدق يستمر الأجر له، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو ولد صالح يدعو له أو علم ينتفع به)).
فهنيئًا لمن يموت وينساه الناس وتتوقف أعماله وبسبب صدقته يستمر له الأجر والنعيم، بإذن الله.
ويوم القيامة -كما ورد في الحديث- يغضب الله -سبحانه وتعالى- غضبًا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله، والمتصدق بسبب صدقته في مأمن بإذن الله كما قال -صلى الله عليه وسلم-: ((الصدقة تطفئ غضب الرب)).
والمتصدق يهنأ بجائزة، وما أكبرها من عطية من رب العالمين، وهي أن يظله الله يوم القيامة بظله سبحانه، فلا يبأس ولا يشقى، قال نبينا -صلى الله عليه وسلم-: ((سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله)) منهم: ((رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه)).
وقال -صلى الله عليه وسلم-: ((المؤمن في ظل صدقته يوم القيامة)).
فالمؤمن يستظل يوم القيامة يوم الحر الشديد، يوم تدنو الشمس من رؤوس الخلائق قدر ميل ويتصبب العرق منهم كما جاء في الحديث: ((فَيَكُونُ النَّاسُ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ فِي الْعَرَقِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى كَعْبَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى حَقْوَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْجِمُهُ الْعَرَقُ إِلْجَامًا، قَالَ: وَأَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِيَدِهِ إِلَى فِيهِ)).
ويكون المتصدق -بإذن الله- في ظل الرحمن، وفي حماية من هذا كله، والسبب أنه كان من المتصدقين.
هذه بعض الأدلة من آيات وأحاديث أوردتها لفضائل الصدقة، وجزاء المتصدقين في الدنيا والآخرة، وليعلم المتصدق بما أعده الله له من خير عظيم، وأن حاجته للصدقة أكثر من الفقير نفسه، فليحرص على الصدقة، ويستمر في أدائها