الحمدُ لله الذي انْعم علينا بالإسلام، وَ رزقـنَـا هذه الهداية بعد الجهْل والضَـلال،
وصلّى الله على سيّدنا محمّد الهادي البشير، وَ السّراج المنـير،
وعلى آله وصحْبه، ومَنْ تَبعه إلى يوْمِ الدين ..
وبـعْـد ..
السلامُ عليكم و رحمةُ اللهِ و برَكاته
أخوتي و أخَواتي في الله
أتمنى مِنْ الله عز و جل أن تكونوا جميعاً بأفضل حال
[rtl]
[/rtl]
[rtl]
[rtl]
[rtl]فضل الشهادة في سبيل الله
المصدر
[rtl]
الكـاتب : عبد المجيد بن عبد العزيز الدهيشي
الحمد لله الذي هدانا للإسلام وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله..أحمده - سبحانه - وأشكره وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا..
أمَّا بعدُ:
فإنَّ تقوى الله -تعالى- ومُراقَبته خيرُ زادٍ للطريق؛ فبها يسعد الإنسان ويطيب عيشه: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا)[الطلاق: 4].
عباد الله: إنَّ ربَّنا قد نادانا إلى البذل في سبيله: (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً)[البقرة: 245].
(وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا)[المزمل: 20].
فتسابَقَ المؤمنون في هذا المضمار المبارك فهذا يبذل الآلاف من الريالات وآخر يتصدق بنصف ماله أو ثلثه وذاك يعد بالكثير من الإعانات والهبات، وآخَر قد أوقف نفسه وفرَّغها في أعمال البر والخير، يبذل وقته في نفع المسلمين إغاثة ودعوة وتعليمًا، وكلهم على خيرٍ -إن شاء الله- لكن هناك صنف من الناس هانت عليهم دُنياهم ولم تغرَّهم مُتَعُ الحياة وزخرفها، ولم يقعدْ بهم الخوف على الذريَّة والعيال، سلكوا طريقًا جبن عنه الكثيرُ، اختاروا طريقًا قلَّ سالكوه، وركبوا بحرًا تقاصَرتِ الهمم عن رُكوبِه، علموا أنَّ العمر محدودٌ والطريق طويل؛ فاختاروا أرفعَ المقامات وتسنَّموا ذُرَى الإسلام، علموا أنَّ أغلى ما يملكه الإنسان روحه التي بين جنبَيْه، فقدَّموها قُربانًا إلى ربهم، يهون المال والمتاع دُون الدم، ولكنَّهم أراقوا دِماءهم في سبيل الله، سمعوا قول الله -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)[التوبة: 111].
فعقدوا البيعَ مع الله، السِّلعة أرواحهم ودماؤهم، والثمن الموعود عند الله هو الجنة، ومَن أوفى بعهده من الله؟! فيا لله ما أعظمَه من بيعٍ، وما أعظمه من ربح! لله درهم، ما أشجعهم! غادَرُوا أوطانهم، وهجَرُوا نساءهم، وفارَقُوا أولادهم وخلانهم يطلُبون ما عند الله، تركوا لذيذَ الفِراش ورغد العيش وخاطَرُوا بأنفُسِهم في سبيل الله يطلُبون الموت مظانه، لله درُّهم ما أقوى قلوبهم، لله درُّهم ما أقوى إيمانهم حين يعرضون رقابهم للحُتوف ويريقون دماءَهم تقرُّبًا إلى الله ربِّهم؛ طمعًا فيما عند الله: عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((انتدب الله لمن خرج في سبيله لا يخرجُه إلا إيمانٌ بي وتصديقٌ برسلي أنْ أرجِعَه بما نالَ من أجرٍ أو غنيمةٍ أو أدخله الجنة، ولولا أنْ أشقَّ على أمَّتي ما قعدتُ خلفَ سريَّة، ولوددت أنِّي أُقتَل في سبيل الله ثم أُحيَا، ثم أقتل ثم أحيا، ثم أقتل))[البخاري].
ولو لم يكن للقتل والشَّهادة في سبيل الله من الأجر الكبير لما تمنَّى محمد - صلى الله عليه وسلم - أنْ يُقتَل في سبيل الله ثلاث مرَّات، وها هو النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((والذي نفسي بيَدِه لولا أنَّ رجالاً من المؤمنين لا تطيب أنفسهم أنْ يتخلَّفوا عنِّي، ولا أجد ما أحملُهم عليه، ما تخلَّفت عن سريَّةٍ تغزو في سبيل الله، والذي نفسي بيده لوددت أنِّي أُقتَل في سبيل الله، ثم أحيا ثم أقتل، ثم أحيا ثم أقتل، ثم أحيا ثم أقتل))[البخاري].
ولولا ذلك ما سبق الجهادُ الحجَّ في الفضيلة؛ فعن أبي هريرة أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سُئِل: أيُّ العمل أفضل؟ فقال: ((إيمانٌ بالله ورسوله))، قِيل: ثم ماذا؟ قال: ((الجهاد في سبيل الله))، قيل: ثم ماذا؟ قال: ((حج مبرور))[البخاري].
بل إنَّ الجهاد ذروة سنام الإسلام؛ فعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنَّه قال: ((رأس الأمر الإسلام، وعَموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد))[أخرجه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح].
ولما في الجهاد في سبيل الله من المكابدة والمصابرة كان عملُ المجاهد عملاً لا يُستَطاع مثله؛ جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: دلَّني على عملٍ يعدلُ الجهاد، قال: ((لا أجدُه)) قال: ((هل تستطيعُ إذا خرَج المجاهد أنْ تدخُل مسجدك فتقوم ولا تفتر، وتصوم ولا تفطر؟)) قال: ومَن يستطيع ذلك[البخاري].
ويقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مثَلُ المجاهد في سبيل الله - والله أعلمُ بِمَن يجاهدُ في سبيله - كمثل الصائم القائم، وتوكَّل الله للمجاهد في سبيله بأنْ يتوفَّاه أنْ يُدخِلَه الجنَّة، أو يرجعه سالمًا مع أجرٍ أو غنيمةٍ))[البخاري].
والمجاهد في سبيل الله أفضلُ الناس بنصِّ كلام الحبيب؛ قيل: يا رسول الله، أيُّ الناس أفضلُ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مؤمنٌ يجاهدُ في سبيل الله بنفسِه وماله))، قالوا: ثم مَن؟ قال: ((مؤمنٌ في شعب من الشِّعاب يتَّقي الله، ويدع الناس من شرِّه))[البخاري].
والوقت الذي يمضيه المجاهد في سبيل الله وقتٌ نَفِيسٌ لا يُعلَى عليه؛ عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لَغدوةٌ في سبيل الله أو روحةٌ خيرٌ من الدنيا وما فيها))[البخاري].
فمقام بضع ساعاتٍ في الجهاد يعدلُ الدنيا وما فيها، وفي ذلك فليتنافَسِ المتنافسون، ومَن أراد الجنَّةَ فليعلَمْ أنَّ محمدًا - صلى الله عليه وسلم - قال: ((واعلَمُوا أنَّ الجنة تحت ظلال السيوف))[البخاري].
وحين يمنُّ الناس بأرواحهم في سبيل الله فإنَّ المجاهد له شأنٌ آخر؛ فهو يبحث عن الموت الذي يفرُّ منه الناس، وكفى بها منقبةٌ؛ في "صحيح مسلم" عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال: ((من خير مَعاش الناس لهم رجلٌ ممسكٌ عنانَ فرسِه في سبيل الله يطيرُ على متنه، كلَّما سمع هَيْعَةً أو فَزَعَةً طار عليه يبتغي القتلَ والموتَ مظانَّه)).
إنَّ الغبار الذي يصيبُ المجاهد في سبيل الله فيتسلَّل إلى جوفه يكون مانعًا من دُخان جهنم التي وقودُها الناس والحجارة؛ أخرج النسائي أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا يجتمعُ غبارٌ في سبيل الله ودخانُ جهنم في جوفِ عبدٍ أبدًا)).
والشهيد الذي غادَرَ هذه الدنيا ليس بميتٍ يُحسَب في عداد الأموات، بل هو حيٌّ يعيشُ حياةً برزخيَّة يعلمها الله تعالى: (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ)[آل عمران: 169 - 171].
فالله - تعالى - يخبرُنا أنهم ليسوا أمواتًا، وينهانا أنْ نحسبهم كذلك، ويؤكد لنا أنهم أحياء عنده، وأنهم يُرزَقون، ثم هم فرحون بما آتاهم الله من الفضل والمكانة، ويستبشرون بِمَن لم يلحق بهم بعدُ.
إنَّ الشهادة في سبيل الله درجةٌ عالية لا يهبها الله إلا لمن يستحقُّها؛ فهي اختيار من العليِّ الأعلى للصفوة من البشَر؛ ليعيشوا مع الملأ الأعلى: (وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ)[آل عمران: 140].
إنها اصطفاء وانتقاء للأفذاذ من البشر ليكونوا في صُحبة الأنبياء: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا)[النساء: 69].
وإليكم هذه الفضائل التي يحوزُها الشهيدُ؛ فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((للشهيد عند الله ستُّ خِصال: يغفر له في أوَّل دفعة، ويرى مقعده من الجنَّة، ويُجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزَع الأكبر، ويُوضَع على رأسه تاجُ الوقار، الياقوتة منها خيرٌ من الدنيا وما فيها، ويُزوَّج اثنتين وسبعين زوجةً من الحور العين، ويشفَعُ في سبعين من أقاربه))[أخرجه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب].
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما يجدُ الشهيد من مسِّ القتل إلا كما يجدُ أحدكم من مسِّ القرصة))[أخرجه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب].
وإذا قُتِل الشهيدُ لم ينقطعْ عمله الصالح، بل يزيدُ ويتضاعف؛ فعند الترمذي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((كلُّ ميتٍ يُختَم على عمله إلا الذي مات مُرابِطًا في سبيل الله؛ فإنَّه يُنمَى له عملُه إلى يوم القيامة، ويأمنُ من فتنة القبر)).
والحمدُ لله ربِّ العالمين.
[/rtl][/rtl]
[/rtl]
[/rtl]