.
الحمد لله..
.
يخلط كثير من الناس بين المُحدِّث والفقيه ويظنون بأن الإكثار من حفظ الأحاديث ومعرفة طرق إسنادها يؤهل للفتوى، وإليكم بعض المواقف التي تبين خطأ هذا الخلط وأن الفتوى لا تكون إلا لمن تفقّه:
.
وقفت امرأة على مجلس فيه يحيى بن معين، وأبو خيثمة، وخلف بن سالم، في جماعة يتذاكرون الحديث،
فسمعتهم يقولون: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد رواه فلان، وما حدث به غير فلان،
فسألتهم عن الحائض تغسل الموتى، وكانت غاسلة ؟
فلم يجبها أحد منهم، وجعل بعضهم ينظر إلى بعض،
فأقبل أبو ثور، فقالوا لها: عليك بالمقبل .
فالتفتت إليه وقد دنا منها فسألته ،
فقال: تغسل الميت لحديث القاسم عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: (أما إن حيضتك ليست في يدك)
ولقولها: (كنت أفرق رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم بالماء وأنا حائض )
قال أبو ثور: فإذا فرقت رأس الحي فالميت أولى به.
فقالوا : نعم رواه فلان، وحدثناه فلان، ويعرفونه من طرق كذا، وخاضوا في الطرق. فقالت المرأة : فأين كنتم إلى الآن؟
....
قال أبو نُعيم: كنت أمر على زُفر وهو محتب بثوب، فيقول: يا أحول، تعال حتى أغربل لك أحاديثك. فأريه ما قد سمعت. فيقول: "هذا يؤخذ به، وهذا لا يؤخذ به، وهذا هاهنا ناسخ، وهذا منسوخٌ".
....
قال مالك بن أنس لابنيْ أخته أبي بكر وإسماعيل ابني أبي أويس: "أراكما تحبّان هذا الشأن وتطلبانه". قالا: نعم. قال: "إن أحببتما أن تنتفعا به، وينفع الله بكما، فأقلا منه، وتفقها".
....
وقال الأعمش: "لما سمعت الحديث، قلت: لو جلست إلى سارية أفتي الناس. فجلست إلى سارية، فكان أول ما سألوني عنه لم أدر ما هو!"
....
وجاء رجلٌ إلى الأعمش، فسأله عن مسألة، وأبو حنيفة جالس، فقال الأعمش: يا نعمان، قل فيها. فأجابه. فقال الأعمش: من أين قلت هذا؟ فقال: من حديثك الذي حدثتناه. قال: "نعم، نحن صيادلة، وأنتم أطباء"
....
قال الخطيب البغدادي: وإنما أسرعت ألسنة المخالفين إلى الطعن على المُحدّثين لجهلهم أصول الفقه وأدلته في ضمن السنن، مع عدم معرفتهم بمواضعها، فإذا عُرف صاحب الحديث بالتفقّه خرست عنه الألسن وعظم محله في الصدور والأعين، وخشي من كان عليه يطعن.
.........
المصدر: نصيحة أهل الحديث