تعظيم السنة
___________
روى هذا الحديث جمع من الأئمة بإسناد صحيح، منهم الإمام أحمد في مسنده، فقد روى بسنده قال: حدثنا الضحاك بن مخلد عن ثور عن خالد بن معدان عن عبد الرحمن بن عمرو السلمي عن عرباض بن سارية رضي الله عنه قال: صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر، ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة ذرفت لها الأعين، ووجلت منها القلوب، قلنا أو قالوا: يا رسول الله، كأن هذه موعظة مودع فأوصنا، قال: أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، وإن كان عبداً حبشياً، فإنه من يعش يرى من بعدي اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وإن كل بدعة ضلالة.ورواه أيضاً أبو داود وابن ماجه وصححه شعيب الأرناؤوط وبعضه في صحيح مسلم.
قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه : «لست تاركًا شيئًا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل به، إلا عملت به، وإني لأخشى إن تركت شيئًا من أمره أن أزيغ».
قال عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه : «لا رأي لأحد مع سُنة سنَّها رسول الله صلى الله عليه وسلم »
وعن أبي قلابة قال: إذا حدَّثت الرجل بالسُّنة فقال «دعنا من هذا وهات كتاب الله» فاعلم أنه ضال،
وقال الشافعي: أجمع المسلمون على أنَّ من استبان له سُنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحلّ له أن يدعها لقول أحد.
وقال الحميدي: وسُئل الشافعي عن مسألة فقال: رُويَ فيها كذا وكذا عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال السائل: يا أبا عبد الله، تقول به؟ فارتعد الشافعي وانتفض وقال: يا هذا، أيُّ أرضٍ تقلُّني، وأيُّ سماءٍ تظلُّني إذا رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثًا فلم أقل به؟ نعم، عليّ السمع والبصر.
قال أحمد بن حنبل: من رد حديث النبي صلى الله عليه وسلم فهو على شفا هلكة،
قال البربهاري: قال أبو عبيد القاسم بن سلام: المتَّبِع لِلسُّنة كالقابض على الجمر، وهو اليوم عندي أفضل من الضرب بالسيوف في سبيل الله،
قال مالك بن أنس: السُّنة سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلَّف عنها غرق.
قال ابن القيم: هل كان في الصحابة من إذا سمع نصَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عارضه بقياسه أو ذوقه أو وجده أو عقله أو سياسته؟ وهل كان قط أحدٌ منهم يقدم على نصِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عقلاً أو قياسًا أو ذوقًا أو سياسة أو تقليد مقلِّد؟. فلقد أكرم الله أعينهم وصانها أن تنظر إلى وجه من هذا حاله أو يكون في زمانهم.
وقال رحمه الله: وقد كان السلف الطيب يشتدُّ نكيرهم وغضبهم على من عارض حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم برأيٍ أو قياسٍ أو استحسانٍ أو قول أحدٍ من الناس كائنًا من كان، ويهجرون فاعل ذلك، وينكرون على من يُضرب له الأمثال، ولا يسوغون غير الانقياد له والتسليم والتلقِّي بالسمع والطاعة، ولا يخطر بقلوبهم التوقف في قبوله.
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: «إياكم وأصحاب الرأي؛ فإنهم أعداء السنن، أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها، فقالوا بالرأي فضلُّوا وأضلُّوا»
وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : «إنكم ستجدون أقوامًا يزعمون أنهم يدعونكم إلى كتاب الله وقد نبذوه وراء ظهورهم، فعليكم بالعلم، وإياكم والتبدُّع، وإياكم والتنطُّع، وإياكم والتعمُّق، وعليكم بالعتيق»
قال ابن بطة: فاعتبروا يا أولي الأبصار، فشتَّان بين هؤلاء العقلاء السادة الأبرار الأخيار الذين مُلئت قلوبهم بالغيرة على إيمانهم والشحُّ على أديانهم، وبين زمانٍ أصبحنا فيه وناس نحن منهم وبين ظهرانيهم..
وقال ابن عبدالهادي رحمه الله: ولا يجوز إحداث تأويل في آية أو سنة ، لم يكن على عهد السلف ، ولا عرفوه ولا بينوه للأمة، فإن هذا يتضمن أنهم جهلوا الحق في هذا ، وضلوا عنه ، واهتدى إليه هذا المعترض المستأخر.
قال ابن بطة: فالله الله إخواني، احذروا مجالسة من قد أصابته الفتنة فزاغ قلبه، وعشيت بصيرته، واستحكمت للباطل نصرته؛ فهو يخبط في عشواء، ويعشو في ظلمة.
أن يصيبكم ما أصابهم.
فافزعوا إلى مولاكم الكريم فيما أمركم به من دعوته، وحضَّكم عليه من مسألته فقولوا: ﴿رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾
فإن من توفيق الله للعبد أن يعتقد أن سنة النبي صلى الله عليه وسلم شاملة لكل خير وهدى:
روى مسلم من حديث ابن عمر: «إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم وينذرهم شر ما يعلمه لهم».
روى مسلم عن سلمان: (قال له يهودي: قد علمكم نبيكم كل شيء حتى الخراءة قال: أجل).
والموفقون يؤمنون بما جاء فيها
والتحاكم إلى السنة أمر لازم: ﴿فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾.
لا يفهمونها بأهوائهم إنما يفهمونها عن طريق من وردت عنهم: ﴿فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُمْ بِهِ فَقَدْ اهْتَدَوا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ﴾ لا يقدمون عليها استحسانات عقولهم
عباد الله : إنَّ الاستهزاء بالسُّنة والسخرية بها نذير شرّ، وأيّ شر.
قال عبد الله بن الديلمي: بلغني أنَّ أول ذهاب الدين ترك السُّنة. يذهب الدين سُنةً سنة، كما يذهب الحبل قوَّةً قوة.
وقال محمد بن عبد الوهاب في رسالته «نواقض الإسلام»: ومن أبغض شيئًا مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ولو عمل به كفر، ومن استهزأ بشيءٍ من دين الرسول صلى الله عليه وسلم أو ثواب الله أو عقابه كفر. والدليل قوله تعالى: ﴿قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾
ويقول سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب: أجمع العلماء على كفر من فعل شيئًا من ذلك، فمن استهزأ بالله أو بكتابه أو برسوله أو بدينه كفر ولو هازلاً لم يقصد حقيقة الاستهزاء – إجماعًا
وفي زماننا هذا كثر المقدمون للعقل على صحيح النقل لمخالفتها للعقل كما يزعمون .
فنسأل الله جل وعلا أن يجعلنا ممن تمسك بسنته ، ودعا إليها على بصيرة.
المصدر/ جامع ابن تيميه رحمه الله
منقول بتصريف يسير