بالكلمة الطيبة
فأي إنسان مهما كانت درجة الإيمان عنده تؤثر فيه الكلمة الطيبةوعندما يسمعها كأنك أنزلت عليه دشاً بارداً منعشاً من الماءفعندما يأتيك إنسان ثائر يريد أن يسب ويلعن وتقابله بالكلمة الطيبة تنتهي ثورته ويبدله بالكلام الطيب وحضرة النبي يقول في كل المؤمنين {مَثَلُ المُؤمِنُ مَثَلُ النَّحْلَةِ؛ لا تَأكُلُ إلاَّ طَيِّباً، وَلا تَضَعُ إلاَّ طَيِّباً} والمؤمن يحاسب نفسه علي فلتات اللسانفلا يخرج منه إلا ما يرضي حضرة الرحمن، ودائماً نصب عينيه قول الله في القرآن{مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ]وما من كلمة تقولها إلا ويسمعها أولاً حضرة السميعويحاسبك عليها
فهل أنت خائف من فلان الذي يسمع منك؟ ولا تخاف من السميع الذي يسمع أولاً ويحاسبك؟فإن فلاناً هذا إن كان سيحاسبك؟ أو يعنفك؟ فإنه حساب يسير أما العلي الكبير الذي يسمع كلماتك ويعد حروفك وألفاظك وسيحاسبك عليها يوم الميقات ألا تخاف منه؟لذلك فإن المؤمن دائماً كلماته قليلة ولا ينطق بقول إلا بعد تفكر وتدبر وتمعن ويعلم علم اليقين قول السلف الصالح{إن من الكلام ما هو أشد علي الأجسام من وقع السهام }فأحياناً تكون كلمة أشد من طلقة كيف يكون كلام المؤمنين يارب؟{وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ}كلامهم جواهر، يختار الجواهر ويسمعها لإخوانه المؤمنينلأنه يعلم أن من يسمعها أولاً هو رب العالمين ولذلك عندما يتكلم حضرة النبي عن المؤمن يقول{لَيْسَ المُؤْمِنُ بالطَّعَّانِ ولاَ اللَّعَّانِ ولا الفَاحِشِ ولا البَذِيِّ}ليس بسباب لأي شئ حتي ولو كان لغير الآدمي فقد سمع النبي وهو في غزوة تبوك رجلاً من أصحابه يلعن جملاً فقال{ يا عبد الله لا تسر معنا على بعير ملعون}قال ماذا أصنع يا رسول الله؟ قال انزل من عليه واتركه يمشي في الصحراء، حتي الجمل وذلك لكي لا يعود لسانه علي هذا الكلام فلسان المؤمن لا ينطق إلا بالقول الطيب الذي يثلج الصدور ويؤنس النفوس ويخفف عن المنكوبوالذي يشفي السقيم والمريض والذي يذهب لوعة الحزين والذي يزيد فرحة المسرور هكذا يكون كلام المؤمن وحال المسلمين
وذات مرةحدث أن أبا ذر وبلالا تغاضبا و تصايحا وفي ثورة الغضب قال أبو ذر لبلال : يا ابن السوداء فشكاه بلال رضى الله عنه إلى النبي فغضب النبي وقال له:
{ يا أبا ذَرّأعَيَّرتَهُ بأمِّهِ؟ إِنَّكَ امرُؤٌ فيكَ جاهِليَّة }وعندما نطبق كلام خير البرية علي حياتنا الآن؟فكم واحد تجد فيه جاهلية الآن؟ الكثير والكثير كيف تعيره بأمه أنظروا إلى التأديب النبوى{ليس لابن البيضاء علي ابن السوداء فضل إلا بالتقوي}فما كان من سيدنا أبي ذر إلا أن حزن حزناً شديداً، وكسف باله وتغير حاله وعرف أن النبي غضبان منه فذهب إلي بلال ليسترضيه وأقسم عليه أن يطأ وجهه بقدمه ليكفر عن ذنبه، ونام علي الأرض، ووضع صدغه عليها ليطأه بقدمه ولأنهم أصحاب ذوق رفيع وأدب بديع لأنهم تعلموا من حضرة النبي الشفيع ولا يوجد أحد في الأولين ولا في الآخرين، في السابقين ولا المعاصرين من يبلغ في الذوق الرفيع أصحاب النبي الأمين فلما أن أقسم أبوذر علي سيدنا بلال أن يضع قدمه علي وجهه، وقد علمهم حضرة النبي أنه لو أقسم عليك أخوك يجب أن تبر هذا القسم فماذا يفعل بلال؟وضع رجله أعلى رأسه بمسافة شبر ليبر قسمه ولم يجعلها تلامس وجهه فانظر إلي الأدب العالي والذوق الرفيع وأين تعلموه؟ {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ}كان هذا سمتهم وهديهم، وكانت هذه أخلاقهم في كل أحوالهم لذلك كانت حياتهم سعيدة بلا مشاكل وأنتم تعلمون أنه لم يكن عندهم دار للقضاء، لأن جميعهم عدول، ولا يرضي واحد منهم لأخيه ما لا يرضاه لنفسه، نفذوا هذه الحقيقة فعاشوا بهذه الطريقة والعلم الحديث وديننا يطالب بالعلم لأن معظم الأمراض التي نشكو منها الآن مثل الضغط والسكر وتصلب الشرايين وغيرها من الأمراض قال الأطباء أن سبب معظمها الضغوط النفسية فالرجل إن لم يستطع أن يحقق مناه خارج البيت يذهب للمسكينة زوجته داخل البيت ويفرغ جميع الشحنات التي به فيها فما ذنبها في ذلك؟ففي صباح كل يوم هناك برنامج للنكد وفي الظهر برنامج آخر للنكد وفي المساء برنامج ثالث للنكد فماذا تفعل المسكينة؟تصاب بالكمد والنكد فتأتي الأمراض ويضطر هو للبحث عن علاج ويذهب بها للأطباء؟فكيف يؤثر الدواء وأنت سبب الداء وكذلك نفس الموضوع مع بناته وأولاده ويريد أن يكون في البيت شريك حضرة الألوهية – حاشا لله – كيف؟يريد ألا يسأل عما يفعل فإذا قالوا لم فعلت ذلك؟ يرتكب مصيبة ويقول أتردون كلامي إن كلامي لا يرجع فبمن تتأسي يا أخي؟ ألا تتأسي بمن قال له ربنا
{وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ}وقد شاورهم وخابت مشورتهم في غزوة أحدفقد قال النبي نظل في المدينة وأشاروا هم أن يخرجوا من المدينة، وعندما نزل على رأيهم هزم الجيش، ومع ذلك قال له حضرة الله{فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ} ثم بعد ذلك أضاف سبحانه{وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ}أي شاورهم لتعلمهم قال{أما إن الله ورسوله غنيان عنهما ولكن جعلها الله رحمة لأمتي فمن شاور منهم لم يعدم رشدا، ومن ترك المشهورة منهم لم يعدم عناء}أي لا يحتاج إلي المشورة لكنها للتعليم ولنشر الرحمة و المنفعةفإذا كنت حكيم الحكماء وفقت لقمان الحكيم، ألا ينبغي أن تُعلِّم من معك؟كيف يتعلمون؟عندما تتنزل لهم وتقول ما رأيكم في هذا الموضوع؟بلطف ولين وبحكمةفيشبوا رجالاً نافعين ونساءعلي نهج أمهات المؤمنين لكنك تريد ألا ترد كلمتك ولا يصح ذلك وهذا ما يأتي بالمشاكل، إذن لو اتبع الإنسان منا نهج الحبيب مع أهله لأصبحوا داخلين في قول الله{مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً}هل وحده أم من معه أيضاً؟ الجميع فباقى الآية {وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}فهذا الصنف الذي لا يريد ردَّ كلمته وإذا مثلاً جاء ابنه الكبير الذي تخرج من الجامعة ليرد عليه كلمة يقول اخرج من المنزل فلا أنت ابني ولا أعرفك لماذا؟ إنه رجل ذهب رجل من هذا الصنف لسيدنا عمر وجلس علي الباب لانتظار دوره فسأله الحاجب ما حاجتك؟قال جئت لأشتكي زوجتي وسجل الشكوي وبعد قليل وهو ينتظر سمع زوجة سيدنا عمر تتناقش معهوعلا صوتها عليهفما كان من الرجل إلا أنه أخذ حذاءه وخرج وعندما استدعاه سيدنا عمر قال الحاجب لقد ذهبقال استدعوه وعندما عادقال له عمر لماذا خرجت بدون أن تعرض شكواك؟ قال جئت لكي أشتكي زوجتي التي يعلو صوتها عليَ فلما سمعت ما حدث لك مع زوجتك خرجتفقال سيدنا عمر:يأخى إنها طباخة لطعاميغسالة لثيابيوكذلك مرضعة ومربية ولم يكلفها الله من ذلك بشيء فأنا المكلف أن أحضر لها طباخاً وغسالة ومرضعة ومربيةفإذاتحملت منى كل هذا أفلا تحمل منها ذلك وهو عمر بن الخطاب الذي كان ينزل الوحي مؤيداً لما يقول وكان إذا مشي عمر في طريق سلك الشيطان طريقاً آخر كما أخبر النبى بل وكانت هيبته تجعل الجبال ترتج إذا واجهها بوجهه ومع ذلك كله تجده في بيته كما علمنا حضرة النبي فكيف كان يعمل مع الحسن والحسين؟ لم يكن يجعل نفسه جملاً ويركبهم علي ظهره ويمر أصحابه ويرونه فيقول سيدناجابر بن عبدالله {دخلت على النبي وهو يمشي على أربع والحسن والحسين على ظهره وهو يقول : نعم الجمل جملكما ، ونعم العدلان أنتما }
الرئيسية 
منتديات راس ايسلي لكل الجازئريين والعرب 
السبت أغسطس 18, 2018 12:51 pm
الأربعاء يناير 29, 2014 3:56 pm